توقفت كثيرا وأنا أقرأ تاريخ جماعات المافيا العالمية وتبادر للذهن السؤال: هل وقعت المنطقة العربية ضحية لأكبر تنظيم للمافيا منذ سنوات طويلة؟
وأعتقد أن إسرائيل هي التجسيد الحي لانتقال فكرة المافيا من الجماعة الإجرامية المنظمة إلى الكيان الذى يطلق عليه بعد ذلك دولة !! من خلال وعد بلفور الذى زرع إسرائيل فى قلب العالم العربى.
فى البداية نشأت المافيا فى صورتها الحديثة في جزيرة صقلية الإيطالية عام 1800 تقريبا قبل أن تنتشر إلى العديد من دول العالم مثل الصين وروسيا واليابان وكولومبيا وأمريكا .. الخ، والمافيا هى جماعات مسلحة من الأفراد لا تعترف بدولة القانون، وكانت تعتمد على التنظيم الهرمى والعائلى فى بداية الأمر، ومفهوم العائلة بدأ بعلاقة الدم ثم الأقارب ثم الأصدقاء ليتطور إلى الشكل الحالى.
وكانت أهم أنشطة المافيا فى البداية هى سلب الأموال عن طريق فرض الإتاوة فى أى منطقة على بعض الأفراد للحماية من النهب ووسائل التهديد المختلفة والمستمرة مع أن مصدر وصانع وخالق التهديد هو "المافيا" ذاتها، يعنى تخلقه فى البداية وتروج له ثم تعرض الحماية على الذين يتم تهديدهم ليخضعوا للحماية وتقبض المافيا الثمن فى نهاية الأمر.
وولد نموذجالمافيا فى صقلية.. وكانت تمارس الإبتزاز من خلال إنتاج الخطر ثم بيع الحماية الخاصة منه بعد فرضها على التجار وملاك الأراضى والمصانع وغيرهم.. ومن المظاهر السائدة آنذاك تلقى رسالة مكتوبة أو مجهولة المصدر أو محادثة تليفونية تتضمن التهديد بضرورة دفع مبلغ من المال، فإن لم يذعن الذى تلقى التهديد، إما أن يسرق ماله أو يحرق مصنعه أو تتعرض حياته للخطر كأن يطلق عليه الرصاص دون إصابته فى البداية، ووصل الأمر للسيطرة على أحياء كاملة، بل وتوزيع المناطق والجرائم والنفوذ فيما بين عصابات المافيا المتعددة، وبتطور المافيا الآن على الصعيد الدولى، استفادت من التكنولوجيا الحديثة فى تطوير عملياتها الإجرامية من التهريب والمخدرات والإتجار بالبشر وغسيل الأموال.. الخ من الجرائم المنظمة التى أصبحت خطرا دوليا ضخما يستلزم تعاون الدول جميعها لمواجهته.
وإذا طبقنا مفهوم المافيا على إسرائيل، سترى العجب العجاب.. التطابق الى حد الدهشة
- فى البداية كانت الفكرة ثم التخطيط ثم التنفيذ.. ظهرت البداية واضحة فى المؤتمر الصهيوني الأول الذى عقد بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا 29 أغسطس 1897 الذى شعر فى البداية بالإحباط لعدم حماس أغنياء اليهود للمساعدة في تمويل مشروعه بالعمل على إنشاء وطن لليهود.. ونجح هرتزل فى النهاية في الترويج لفكرة إقامة وطن قومي لليهود باستعمار فلسطين بدلا من المناطق المقترحة الأخرى مثل الأرجنتين، أو أوغندا.. ألخ .
ومثلما تفعل أي جماعة للمافيا تم إعتماد وسائل التنفيذ، ومنها تشجيع الهجرة اليهودية لإقامة مستعمرات في فلسطين، وتنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني لإعطائه شرعية دولية..
ولآن بريطانيا هى القوة الاستعمارية العظمى آنذاك، وولد من رحمها ومهاجريها ودعمها "الولايات المتحدة" من قبل، ونجحت فى ابادة الهنود الحمر فى القارة الأمريكية، فقد قررت بعد أن أدركت أن البقاء البريطاني فى منطقة الشرق الاوسط قد اقترب من الزوال، وكان لزاما على الأب البريطانى أن يتشبه بالزعيم فى جماعات المافيا بخلق فرع له فى الشرق الأوسط ليدير الأمر بتوجيهاته حين يرحل، وبالوكالة عنه وعن الغرب طوال الوقت.
ولأنها تسيطر على فلسطين وما حولها، أصدرت الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى شهادة الميلاد لهذا الكيان بـ "وعْدُ بَلفُور" فى 2 نوفمبر 1917 لتأسيس «وطن قوميّ للشعب اليهوديّ» في فلسطين،.. والباقي تعرفونه !!
المهم تعالوا نقارن بين سلوك المافيا وسلوك الكيان الصهيونى اللقيط، لتكتشفوا معى أنه التطور الحديث للمافيا، من جماعة للجريمة المنظمة إلى كيان يمارس البلطجة والسرقة والإرهاب وبرخصة وشرعية دولية لتأسيسه، بفضل من خلقه وروج له ومن يقف خلفه حتى الآن.!!
وإسرائيل.. هى النموذج المثالى للمافيا التقليدية والحديثة فى ذات الوقت.. تسرق أوطانا وتخلق الرعب والفزع فى المجتمع الإنسانى بعد اختراقه، ولا حرمة لحليف أو عدو، ثم تجمع إتاوة الحماية من البلطجة التى خلقتها وتخلقها.
- يعنى بدلا من جماعة الجريمة المنظمة التى تشكل المافيا إحدى صورها، والتى تتكون من 3 عناصر فأكثر، أصبح الكيان الصهيونى يزيد عن 6 ملايين عنصر اجرامى، وبدلا من قتل شخص أو أشخاص، أصبحت تبيد مئات الآلاف فى شهور قليلة ومئات الآلآف من الجرحى، وبدلا من بث الرعب فى شارع أو حى كما كانت تفعل عصابات المافيا التقليدية، أصبحت تثير الذعر فى فلسطين بالكامل، بل فى منطقة الشرق الوسط كلها، وبدلا من السيطرة على شارع أو حي، أو ترويع أهله، أصبحت تحتل وطنا بالكامل، بل وتهدد بطرد ما تبقى من أهله، وبدلا من فرض إتاوة على فرد أو مجموعة أفراد، أصبحوا يفرضون إتاوات على وطن ومنطقة بالكامل، وبدلا من قتل رئيس مدينة أو ضابط شرطة أو قاضى يكشف ويتصدى لمخططهم فى جرائم المافيا التقليدية، أصبحوا يقتلون زعماء مثل ياسر عرفات ورئيس ايران وقائد حزب الله .. الخ، وفى نفس الوقت تتلقى الدعم من المجتمع الدولى بكل صوره من أموال و أسلحة تقليدية الى أسلحة الدمار الشامل ومن قوى الغرب كلها وبلا استثناء!
- ترى هل ستستمر هذه المافيا بشكلها الاجرامى فى الجسد العربى، وإلى متى بعد أن وصل به الإجرام إلى محاولة الإبادة الجماعية للأخضر واليابس، بل الحياة بأكملها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها؟!
--------------------------
بقلم: يسري السيد
[email protected]